جميلة وشياطين الانس /بقلم سياده العزومي

جمعة طيبة مباركة علي العالم أجمعين
                    رواية جميلة
         الجزء الأول جميلة و شياطين الإنس
                       الحلقة الثامنة

 ظلت السيارة تقترب منها حتى أصبحت وسائقها وجهاً لوجه..

  التقط سائق البرق سيجارته بأصابعه

 التي ظهرت كنجمة في الظلام

  بعد شهيق وزفير عميق،

 ماضغاً علكة،

 ناظرا إليها نظرة متفحصة

 بعين مرفوعة الحاجب،

وفكر رأس دائري الحركة،

وسؤال كساه رداء التعجب

.."مشيرا للطريق أمام وخلف بعينه" قائلا :

- إلى أين أنت ذاهبة في هذا التوقيت على هذا الطريق..؟!

جميلة صامتة،

 تستنشق الموقف بكل جوارحها،

تضم الرضيعة إلى صدرها،

تود أن تمزق ضلوعها لتخفيها في قلبها،

 والكبرى كادت أن تخفيها بين ساقيها،

 قلبها منفطر
 خائف على فلذات أكبادها

أكثر من نفسها،

 تحملق بعينيها منعقدة الحاجبين،

 تجاهد أن تقرأ ملامح الخير والشر في وجهه،

 رغم غياب ملامحه في عتمة الليل،

 ولا يظهر منها إلا القليل

على ضوء عدادات السيارة الداخلية،

تحملق في ثبات،

وتكتم أنفاسها، فكلما مر الوقت تتضح لها ملامحه أكثر

.
كرر السؤال عليها مرة ثانية :

- إلى أين أنت ذاهبة في هذا التوقيت على هذا الطريق..؟

!
ابتلعت جميلة خواطر أفكارها وتنحنحت قائلة:

- ابنتي مريضة.. وأريد أن أذهب بها إلى أية مستشفى..

عض قائد البرق على شفته السفلية،

 ناظرا إليها بعينه مرفوعة الحاجب قائلاً:

- أتحبين أن نذهب بها إلى أية مستشفى؟ ..تفضلي

ظلت جميلة مترددة،

لكنها اتخذت قرارا فوريا بالركوب؛

 حتى لا تلوم نفسها مرة ثانية،

  لعلها  فرصتها الأخيرة للخلاص من هذا الظلام الدامس،

 كالواقع الذي تفر منه،

أسرعت وفتحت الباب خلفه فوجدت رجلا بقبعة على وجهه

، جالسا مثبتا نفسه بوضع ساقه بينه وبين كرسي سائق البرق
(21)
 يبدو عليه أنه نائما.

 أغلقت الباب والتقطت الصرة

وساقت طفلتها بالدوران حول السيارة من الخلف

 فتحت الباب الخلفي

وضعت الصرة،

دفعت طفلتها الكبرى وهى تربت عليها إشارة منها بالركوب

أغلقت الباب وركبت في المقعد الأمامي هي والرضيع..

انطلقت السيارة كالبرق مرة أخرى ..

 وهي تحاول أن تسترق بعض النظرات إلي السائق

 ومن ينام بالخلف.

 وسائق البرق يجسد اللامبالاة في قيادته الجنونية

ناقراً بأصابع يديه الإثنين على المقود

. ماسكاً سيجارته بفمه

 يؤدي بعض الحركات بعضلات وجهه.

 ماضغاً العلكة وكأن له عينا عند أذنه ترى جميلة

 وهي تحملق فيه. وصلت السيارة مفارق الطرق.

 هدأت السيارة وإذا بها تنحرف اتجاه البلدة..

 هنا.. انقبض قلب جميلة

. واستنشقت رائحة شياطين الإنس..

أيقنت أنه واحد منهم.

التفتت إلى الخلف

 فإذا بصاحب القبعة يرفعها بإحدى أصابعه

 وينظر إليها بعين واحدة ويلقى لها قبلة على الهواء.

سمعا صوت عضها على أسنانها من الغيظ..

 هرب الدم منها وزاغت عيناها..

 احتبست أنفاسها وعلت ضربات قلبها

حتى كادت توقظ الرضيعة الحالمة النائمة على صدرها،

وسط الذعر الذي ملأها،

راحت تربت عليها حتى لا تستيقظ،

تجاهد أن تخفي ملامحها وتهدئ من فزعها،

حتى تستطيع أن تفكر كيف تنقذ طفلتيها مما وضعتهما فيه،

 تتملكها رغبة شديدة في الصراخ

والبكاء ولعن زوجها..

بلهجة الأمر..

 أمر صاحب القبعة سائق البرق:

- قف عند أي مسجد أريد الحمام

كسر سائق البرق كبرياء آمره قائلا:

- عليك اللعنة..

أنت لا تدخل بيت الله إلا قاصداً الحمام

ومن بين الظلام ظهر رجل شديد بياض الوجه والثوب

، وقف على باب السيارة من جهة جميلة قائلا:

- الله يجازينا على الخير بالجنة

وعلى الشر بالنار،

إذا نحن من نمتلك حق الاختيار، بعد مشيئة الله

، لم يخلقنا الله ليعذبنا،

 الله أرحم الراحمين،

ورحمته وسعت كل شيء،

 الله يحاسبنا على النية،

 فلنحرص أن تكون نيتنا دائماً في الخير

، هناك من يهرب من الشر ولا يستطيع وهو كاره له،

يعيش في قلب أهله نيته خير،

الله يجازيه على نيته،

وهناك من يعيش مع أهل الخير وهو كاره له ولهم

، فهو منافق في الدرك الأسفل من النار،

أنت تستطيع أن تتغلب على أمورك (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وما ربك بظلام للعبيد)

، إذا اشتد عليك الأمر

 وصبرت اعلم أن لك شأنا عظيما عند الله

، ابحث دائماً عن رحمة ربك

 في كل مصيبة أو اختبار يقابلك،

 الله رحيم بالعباد..

 إذا لم تستطع الهروب من الواقع غيره،

كن أنت محرك الأحداث،

 لا تقبل أن تحيا حياتك كومبارس أبداً،

ضع بصمتك على وجه هذه الحياة في الخير

 قبل أن يسترد الله عطيته.

أخرج الشاب بعض النقود وأعطاه إياها قائلا:

- ادع لي يا شيخنا

نظر إليه الشيخ قائلا:

- أنت فيك من الطيبة

 لكن الشر في صاحب السوووووء

علقت الكلمات على لسانه

بفتح صاحب القبعة باب السيارة

وهو يسب ويلعن؛

فلم يجد ماء في الحمامات،

أسقط الشيخ كيسا في حجر جميلة،

 برز الشيطان في وجه صاحب القبعة

 حين رأى الشيخ، أمر سائق البرق أن ينطلق بسرعة،

 نفذ سائق البرق الأمر وانطلق بالسيارة...

زاد صاحب القبعة في غضبه وسخطه،

أخذ يسب ويلعن الشيخ

مبرراً ذلك أنه يتشاءم منه

 ولا يحب رؤيته فلم يقابله يوما إلا وحدثت له مصيبه.

صبت كلمات الشيخ على روح جميلة  الطمأنينة والرضا

 وكأن الله أرسله ليلقي هذه الكلمات

في نفسها وعقلها وظلت تردد

- إذا لم تستطع الهروب من الواقع فلتغيره.

- ولا تحيا حياتك كومبارس أبدا

- وكن أنت محرك الاحداث..

- مازلت أكتب لكم

-  وسأظل بإذن الله تعالى أكتب لكم

-  ولنضع بصمتنا معاً على وجه هذه الحياة

- سياده العزومي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قاتمة /بقلم ربعي عبد الحميد

تبددت امال الفؤاد /بقلم ايمان احمد

اذكريني /بقلم محمود برهم